• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

زيارة بومبيو إلى بغداد رسائل تهديد أم تطمين لحكومة عبدالمهدي؟

ميثاق مناحي العيسى

زيارة بومبيو إلى بغداد رسائل تهديد أم تطمين لحكومة عبدالمهدي؟

في ظل التصعيد الأمريكي – الإيراني في المنطقة، وصل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الثلاثاء، إلى العاصمة بغداد في زيارة مفاجئة، إذ التقى من خلالها رئيس الوزراء السيِّد عادل عبدالمهدي ورئيس الجمهورية السيِّد برهم صالح، وبحث معهما التصعيد الإيراني ضد القوات الأمريكية وموضوع استثناء العراق من العقوبات المفروضة على إيران.

لا يخفي على الجميع بأنّ زيارة بومبيو إلى بغداد تأتي ضمن إستراتيجية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب حيال إيران والمنطقة بشكل عامّ، لاسيّما في ظل التصعيد السياسي والإعلامي بين الجانبين، والتهديدات التي تتلقاها القوات الأمريكية في السواحل القريبة من السواحل الإيرانية أو في مضيق هرمز أو قواعدها العسكرية في العراق والخليج، فضلاً عن استئناف إيران تخصيب اليورانيوم ومباشرتها في بيع المياه الثقيلة، وتخليها عن الالتزام ببعض بنود وفقرات الاتفاق النووي، على الرغم من أنّ هذه الخطوة ليس لها تأثير مباشر على الاتفاق النووي مع واشنطن؛ لأنّ الأخيرة تخلت عنه وأعلنت الانسحاب منه في منتصف العام الماضي وبالتحديد في الثامن من أيار/مايو 2018، إلّا أنّها تأتي ضمن التدابير التي من شأنها أن تعيد المارد الأمريكي إلى رشده اتجاه طهران؛ وذلك عن طريق ممارسة الضغط على الدول الفاعلة داخل الاتحاد الأوروبي، التي من الممكن أن تؤثر بدورها على موقف الإدارة الأمريكية.

وتأتي زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى بغداد برسائل مبطنة بـ(تهديد ووعيد أو ترهيب وترغيب) نقلها بومبيو من الرئيس الأمريكي إلى صانع القرار العراقي. بمعنى آخر، أنّ رسالة بومبيو ربّما كانت واضحة فيما يخصّ موقف العراق من الصراع الأمريكي – الإيراني الحالي، وموقف بغداد في حال نشبت الحرب بين الطرفين، هذه الرسائل كانت تحمل تهديدات مبطنة للعراق في حال تعرّضت القوات الأمريكية لأي هجوم من قبل الفصائل العراقية المسلحة التي ترتبط (سياسياً وأيديولوجياً) مع ولاية الفقيه في إيران.

 بموازاة ذلك، حملت رسائل وزير الخارجية الأمريكي تطمينات سياسية واقتصادية للعراق في حالة وقوفه مع الطرف الأمريكي وحلفائه في المنطقة، ووعد السيِّد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي باستثناء ثاني للعراق من العقوبات الأمريكية على إيران، فضلاً عن ذلك، فقد بحث بومبيو صفقات كبيرة في مجال الطاقة لوقف اعتماد العراق على إيران، وأنّ العراق اقترب كثيراً من توقيع اتفاق في مجال النفط مدته 30 عاماً بقيمة 53 مليار دولار مع شركتي الطاقة «إكسون موبيل» الأمريكية و«بتروتشاينا» الصينية، حسب تصريح رئيس الوزراء العراقي.

 وهذه دلالات واضحة على نية الولايات المتحدة وعزمها أن تضع العراق بعيداً عن النفوذ السياسي والاقتصادي الإيراني. فضلاً عن ذلك، فأنّ هذه الزيارة تأتي ضمن إطار تعزيز موقف البيت الأبيض من طهران، ونتيجة لذلك، سيكون العراق أمام مفارقتين: الأُولى مع واشنطن والثانية مع طهران، ففي الوقت الذي تريد فيه إيران من العراق بأن يكون المتنفس الرئيس لها ضد العقوبات الأمريكية، تريد واشنطن منه بأن يكون رأس الحربة في فرض الحصار على إيران.

 وهنا سيقع صانع القرار العراقي في حرج كبير، لاسيّما مع القاعدة الكبيرة التي تمتلكها طهران في العراق على الصعيدين (السياسي والعسكري). وعليه سيكون العراق بحاجة إلى رؤية حكومية وطنية موحدة اتجاه ما يحدث في المنطقة، وأن لا يكون إيرانياً أو أمريكياً بقدر ما يكون بحاجة إلى رؤية براغماتية يستطيع من خلالها أن ينأى بنفسه عن الصراع الأمريكي – الإيراني لتحقيق توازن سياسي بين المواقف المتخاصمة؛ لأنّ وقوفه بجانب أحد الطرفين سيضعه أمام أزمات حقيقية وكبيرة، لاسيّما وأنّ العراق بحاجة ماسة إلى الحليف الأمريكي على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري.

 فالولايات المتحدة الأمريكية «حسب بعض التقارير» لديها خطّة بقاء في العراق لمدة 20 عاماً، وهنا ليس المقصود من البقاء هو الاحتلال، وإنّما ربّما يكون لمراقبة نشاط إيران وحلفائها في العراق من جهة، ومن جهة أُخرى ستحاول تعزيز تثبيت الاستقرار في العراق والعمل مع السكّان المحليين، لاسيّما في المناطق التي احتلها تنظيم «داعش»، وإعادة إعمار مُدنها المدمرة على غرار ما حدث مع اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا بعد الحرب؛ لأنّ الأمريكان يتحمّلون المسؤولية التاريخية الأكبر في ما آلت لها الأُمور في العراق بعد عام 2003، وأنّ تجربة السنوات الماضية أثبتت لهم، بأنّ العراق الضعيف لا يمكن أن يخدم مصالحهم سواء في الداخل العراقي أو على المستوى الإقليمي، وأنّ العراق القوي البعيد عن التأثيرات الإقليمية سيكون محور الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة. وهذا ما لا ترغب به بعض الدول الإقليمية والأنظمة السياسية في المنطقة؛ لكونه يتعارض مع نشاطها الإقليمي وتطلّعاتها السياسية المستقبلية.

هناك بعض المؤشرات التي ترى بأنّ السيِّد عبدالمهدي يحاول أن ينأى بنفسه عن هذا الصراع على الرغم من ميوله الإيرانية، لكن كيف ينأى؟ وهذا هو السؤال المهمّ، قد ينأى بحكومته باللجوء إلى أوروبا أو إلى روسيا، وهنا ربّما تكون المخاطر كبيرة، قد يترتب عليها نتائج لا تقل خطورة عن تلك النتائج التي تترتب على حكومته في حال وقوفها ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

 مع ذلك، يبقى السؤال الأهمّ مطروحاً أمام صانع القرار، كيف ستتعاطى الحكومة العراقية مع هذه الأزمة؟

ارسال التعليق

Top